الجمعة، 16 يناير 2015

الــريـشـة الـنـتـنـة



الــريـشـة الـنـتـنـة ..!


كنتُ في حوار مع أحد الملاحدة عن قضية الإسلام وإثبات نبوة سيدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وعندما لم يأخذ الحوار مجراه قام بنشر الرسوم المسيئة التي نشرتها صحيفة شارلي سابقًا كنوع من الاستهزاء ، فأخبرته أن نشره لهكذا رسوم لا تعدو سوى أن تكون خربشات نتنة على الورق الظلامي ، وأن الحوار الهادف الذي ينهج للوصول إلى الحقيقة لن يحتاج إلى إدراج الصور المسيئة لمقدسات الطرف الآخر ، وأن هذه الصور إنما هي حجة دنيئة لمن لا حجة له ، وأن المنهج العلمي الذي يدّعيه جُل الملاحدة لا يمكن له أن يتوافق مع شتم المقدسات الأخرى للطرف الآخر ، وأن من يقوم بعمل هكذا تصرف إنما هو شخص خاوي الحجة فضلًا عن خوائه للعلم ، فقال لي حينها : أن السخرية إنما هي منهج حواري يتم من خلالها زعزعة الإيمان لدى المؤمن ، وأن هذا المنهج بدأ يدّرس في الصروح العلمية لكي يتم من خلاله معرفة الأساليب التي تختص بتوترة الأفكار الداخلية لدى المعارضين ، فأخبرته حينها أن كل منهج يسلك السلوك الغير حواري أو الغير حضاري ؛ إنما هو منهج الضعفاء الجهلة الذين سيطرت أفكار التعصب الرأيية على رؤوسهم ، والذين لم يفلحوا في إسقاط معارضي أفكارهم بالعلم والمنطق العقلي ، فحاولوا إسقاطهم من خلال نشر الرسوم القبيحة التي لا تمت للعلم بصلة من جهة أو أخرى .

الشخص المؤمن أيها السادة لن يزعزع إيمانه خربشات الورق الملونة هذه ، ومن يتزعز إيمانه لدى رؤيتها إنما هو شخص ضعيف المنطق فضلًا عن ضعف الإيمان لديه ، فمن وقع بهذا الداء يجب أن يراجع فيه نفسه ، ويبدأ بتقوية إيمانه الضعيف الذي يُوشِكُ أن يزحف للخلف بسبب ترهات الورق التي أغرقت لب مخيخه. والحركات الإلحادية والعلمانية لن يكفيها أن تجعل العالم المتحضر عالم قائم على المادية ، بل هي ستشمل جوانب كثيرة من عدمية الأخلاق والتركيز في هدم الكيان المجتمعي المترابط وجعله مادة واحدة قائم على المصالح الشخصية الغير مشتركة ، ولن يقف في طريق تلك الحركات المبربِرة سوى تلك العقول التي انتهجت النهج القويم في تثقيف نفسها والدفاع عن معتقداتها بكل ما أوتيت من علم ومنطق وهذا ما يجب على كل شخص مؤمن أن يقوم بانتهاجه ، نعم المؤمن لا يتزعزع إيمانه من الرسومات الهزلية التي تثار ضد مقدساته ولكن يغضب لمِا يثار من ذلك حوله ، والغضب كما هو معلومٌ يندرج كنوعان ، فهناك غضب محمود وضده المذموم ، وما يثار في المؤمن نتاج السخرية من مقدساته يعتبر من الغضب المحمود الذي يثاب عليه صاحبه ، وذلك لإنه كان لله وفي الله ودفاعًا عما أحبه الله . يقول تعالى : "(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)" فكيف ينصر الله من لا ينصره ، وكيف لا ينصر من ينصره ، إنّ شرط النصرة من الله متحقق بنُصرة الله ، ونصرة الله تتحقق في الغضب لِما تُعديَ من حماه "ألا إن حمى الله محارمه" ، ولا خير فيمن لم يتمعر وجهه غضبًا لله .

المحور الآخر في هذا الموضوع يتمثل في عوام المسلمين الذين كانت لهم ردود فعل غريبة وسيئة تجاه هذا الحدث ، فالعجب كل العجب ممن خرجوا تضامنًا مع شارلي وهي التي قد انتهت للتو من نشر الرسوم المسيئة للحبيب صلى الله عليه وسلم ، بل حتى لم تنبت شفاههم بكلمة نصرةً لله وغضبًا لانتهاك محارمه ، فهل أصبحت حرمة شارلي أقدس عندهم من حرمة الله ورسوله ؟! ، وهل شارلي تستحق دموع هؤلاء وهي التي قالت ما قالته في رسولنا الكريم ؟! ، وهل معاونة المسلم للكافر على أخوه المسلم أصبحت بهذه السهولة ؟! ، يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم : "أوحى الله إلى ملك من الملائكة أن اقلب مدينة كذا وكذا على أهلها . قال : إن فيها عبدك فلانا لم يعصك طرفة عين ؟ قال : اقلبها عليه وعليهم ، فإن وجهه لم يتمعر في ساعة قط" فهذا عبدٌ من عباد الله لم يعص الله حتى طرفة عين ، لكن لم يشفع له ذلك في رفع العذاب عنه ، لإنه عطل شعيرة عظيمة من شعائر الله "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" ، فلا هم أمروا بمعروف من نشر سيرة نبينا أو التثقيف به للمجتمعات الغربية ، ولا هم نهوا عن منكر فتتمعر وجوههم غضبًا لنبيهم ، بل إنهم كانوا بأسوء الأمر فخرجوا نصرة للصحيفة لا نصرةً لنبيهم فبمثل هذا يبكي القلب من كمدٍ .
أما ما الواجب على المسلم فعله كمثل تلك الزوبعات الإلحادية المسيئة هي التمسك بالمنهاج الصحيح أولًا وتثبيت القيم والمبادئ الإسلامية في الحياة اليومية والروتينية ، أيضًا نشر السيرة النبوية المطهرة في آفاق العالم الغربي ، والتمسك بسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام فهي دليل حبنا له  عند العالم الغربي ورسالة السلام التي يجب أن تجوب آفاق الأرض .

الأربعاء، 14 يناير 2015

أسواط الأصوات ..


أسواط الأصوات ..!




عندما طرح الفيلسوف الشهير ابن رشد آراءه الفلسفية حول الوجود ; عج في الناس قول ولغط فيقول ابن رشد في يومها : "كنا في طريقنا لمسجد للصلاة ، فمنعنا بعض سفلة العامة عنه" أي أنّ بعض صغار العوام حالو بينه وبين أن يدخل المسجد ليؤدي فريضة الصلاة ، ومن هنا يمكن أن تنظر لوصف ابن رشد لهم ، ونعتهم بسفلة العامة الذين لا يملكون أدنى مقومات العلم الذي يعصمهم من خطأ انفسهم ، وهذا ما يتناثر الآن في الساحة العربية والإسلامية من ازدراء للآراء وتحجير وتضييق في نطاق الفكر البشري ومحاولة جعل الأطراف الأخرى على فكرة واحدة وجزء لا يتجزء من الفكرة العامة التي يتبناها ذلك الفرد .

ولا شك أن البشر ليسوا على مستوى واحد من الرأي ، ولو كانوا كذلك لكانت الساحة تخلو من النزاعات بمختلف توجهاتها الدينية والعرقية والسياسية ؛ وهذا محال لإن الله تعالى جعل لكل نفس طبيعة سيكولوجية مختلفة عن بعضها البعض ولا تتماثل معها بسبب اختلافات الزمان والمكان المحيطين بكل واحدة منها فضلًا عن انتفاء العصمة الذاتية لعوام البشر في الوقوع بالخطأ ، ولمحدودية تفكير بعض العوام الذين لم تُجعل لهم النظرة البعيدة والمنطقية في الأمور المختلف فيها ، وهذا كافي لأن يجعل منا بشر لهم مستويات مختلفة ومتفاوتة من التفكير وطرح وإبداء وجهات النظر ، وهذه ليست المشكلة بحد ذاتها ، فإبداء الرأي والنقاش فيه بعقلانية للوصول للحلول المختلفة ليس بالأمر السيء ، إنما السيء في ذلك أن تتحول ساحة إبداء الرأي لمعترك ثقافي وتعصب جاهلي يقضي على القيم المستوردة من الشريعة الإسلامية .

عندما وصف ابن رشد الأشخاص الذين حالوا بينه وبين المسجد بسفلة العوام لم يكن لفظه عابرًا في ذلك ، فالناس تختلف في ثلاث مستويات رئيسة تقسم باعتبار التوزيع العقلي للأمور المعطاة في الساحة العامة وهم : العلماء وخاصتهم وما جاورهم ، والعوام وما قابلهم ، وسفلة العوام السطحيون وهم في ذلك أسفل المستوى وأدناه وأحقره ، لإنهم انشغلوا بالتافه دون النافع وتركوا العقل للعاطفة ، فتوّلد عندهم الحمق والتخلف الفكري الذي ساهم في تسييس الساحة العامة وجعلها حلبة يتصارع فيها كل من أبدى وطرح وجهة نظر خاصة به ، وبهذا تفقد الأمة الإسلامية والعربية سيطرتها في الحوارات الثقافية البناءة التي تساهم في تقدم المجتمعات المتأخرة وتحضر المتخلف منها .
ولا عجب في ذلك فكل محمود أصله يقدم الأمة وكل ما خالفه فهو بنفس مضمونه ، يقول تعالى : «(ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)»
والحكمة ضالة المؤمن ، فما يفعلُ منْ فقدها ، ولِمَ سميت بالحكمة إلا لأنها تحكم منطق الشخص من سفاسف الأقوال ، الحكمة هي المعجم الصحيح في العقل ، ومن فقدها في إدلاء آرائه فقد فن الإقناع في حواره ، وهي صفة من صفات خواص الناس وما جاورهم كما تقدم .
أما ما بعدها من منهج الحوار البنّاء فهي الموعظة الحسنة التي تدخل العاطفة على المنطق ، فيمتزجان فيصبحان قوة مرجعية ذات حجة قوية في نفسية المتلقي ، وغالبًا ما ينجح هذا المنهج في ترجيح كفة الحوار له لدى المجتمعات العامّية وما قابلها كما سُلِفَ آنفًا .
وأما آخرها فهي البديل الثانوي للأخرتين ، وهي المجادلة بالتي هي أحسن من غير تعريض أو تشخصن ضد الأطراف ، ومناقشة الفكرة في موضوعية دون انحيازية ، وغالبًا هذا ما يحتاجه أراذل القوم الذين يقولون ما لا يفقهون ويتّبعون دون ان يفهموا مالذي قاموا باتباعه ، فالحكمة تصعب أن تدخل عقولهم ، والمواعظ فيهم لا تغني ولا تسمن ، فيبقى لهم الجدال المحمود الذي يهدف لتغيير المناهج التي قاموا بانتهاجها .
فإذا لم تنفع هذه وتلك فعليك بقوله تعالى : 
«(وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)»
.