الأربعاء، 14 يناير 2015

أسواط الأصوات ..


أسواط الأصوات ..!




عندما طرح الفيلسوف الشهير ابن رشد آراءه الفلسفية حول الوجود ; عج في الناس قول ولغط فيقول ابن رشد في يومها : "كنا في طريقنا لمسجد للصلاة ، فمنعنا بعض سفلة العامة عنه" أي أنّ بعض صغار العوام حالو بينه وبين أن يدخل المسجد ليؤدي فريضة الصلاة ، ومن هنا يمكن أن تنظر لوصف ابن رشد لهم ، ونعتهم بسفلة العامة الذين لا يملكون أدنى مقومات العلم الذي يعصمهم من خطأ انفسهم ، وهذا ما يتناثر الآن في الساحة العربية والإسلامية من ازدراء للآراء وتحجير وتضييق في نطاق الفكر البشري ومحاولة جعل الأطراف الأخرى على فكرة واحدة وجزء لا يتجزء من الفكرة العامة التي يتبناها ذلك الفرد .

ولا شك أن البشر ليسوا على مستوى واحد من الرأي ، ولو كانوا كذلك لكانت الساحة تخلو من النزاعات بمختلف توجهاتها الدينية والعرقية والسياسية ؛ وهذا محال لإن الله تعالى جعل لكل نفس طبيعة سيكولوجية مختلفة عن بعضها البعض ولا تتماثل معها بسبب اختلافات الزمان والمكان المحيطين بكل واحدة منها فضلًا عن انتفاء العصمة الذاتية لعوام البشر في الوقوع بالخطأ ، ولمحدودية تفكير بعض العوام الذين لم تُجعل لهم النظرة البعيدة والمنطقية في الأمور المختلف فيها ، وهذا كافي لأن يجعل منا بشر لهم مستويات مختلفة ومتفاوتة من التفكير وطرح وإبداء وجهات النظر ، وهذه ليست المشكلة بحد ذاتها ، فإبداء الرأي والنقاش فيه بعقلانية للوصول للحلول المختلفة ليس بالأمر السيء ، إنما السيء في ذلك أن تتحول ساحة إبداء الرأي لمعترك ثقافي وتعصب جاهلي يقضي على القيم المستوردة من الشريعة الإسلامية .

عندما وصف ابن رشد الأشخاص الذين حالوا بينه وبين المسجد بسفلة العوام لم يكن لفظه عابرًا في ذلك ، فالناس تختلف في ثلاث مستويات رئيسة تقسم باعتبار التوزيع العقلي للأمور المعطاة في الساحة العامة وهم : العلماء وخاصتهم وما جاورهم ، والعوام وما قابلهم ، وسفلة العوام السطحيون وهم في ذلك أسفل المستوى وأدناه وأحقره ، لإنهم انشغلوا بالتافه دون النافع وتركوا العقل للعاطفة ، فتوّلد عندهم الحمق والتخلف الفكري الذي ساهم في تسييس الساحة العامة وجعلها حلبة يتصارع فيها كل من أبدى وطرح وجهة نظر خاصة به ، وبهذا تفقد الأمة الإسلامية والعربية سيطرتها في الحوارات الثقافية البناءة التي تساهم في تقدم المجتمعات المتأخرة وتحضر المتخلف منها .
ولا عجب في ذلك فكل محمود أصله يقدم الأمة وكل ما خالفه فهو بنفس مضمونه ، يقول تعالى : «(ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)»
والحكمة ضالة المؤمن ، فما يفعلُ منْ فقدها ، ولِمَ سميت بالحكمة إلا لأنها تحكم منطق الشخص من سفاسف الأقوال ، الحكمة هي المعجم الصحيح في العقل ، ومن فقدها في إدلاء آرائه فقد فن الإقناع في حواره ، وهي صفة من صفات خواص الناس وما جاورهم كما تقدم .
أما ما بعدها من منهج الحوار البنّاء فهي الموعظة الحسنة التي تدخل العاطفة على المنطق ، فيمتزجان فيصبحان قوة مرجعية ذات حجة قوية في نفسية المتلقي ، وغالبًا ما ينجح هذا المنهج في ترجيح كفة الحوار له لدى المجتمعات العامّية وما قابلها كما سُلِفَ آنفًا .
وأما آخرها فهي البديل الثانوي للأخرتين ، وهي المجادلة بالتي هي أحسن من غير تعريض أو تشخصن ضد الأطراف ، ومناقشة الفكرة في موضوعية دون انحيازية ، وغالبًا هذا ما يحتاجه أراذل القوم الذين يقولون ما لا يفقهون ويتّبعون دون ان يفهموا مالذي قاموا باتباعه ، فالحكمة تصعب أن تدخل عقولهم ، والمواعظ فيهم لا تغني ولا تسمن ، فيبقى لهم الجدال المحمود الذي يهدف لتغيير المناهج التي قاموا بانتهاجها .
فإذا لم تنفع هذه وتلك فعليك بقوله تعالى : 
«(وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)»
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق